الداخلة الآن
"للتل عيون" عنوان فيلم رعب امريكي يحكي قصة افتراس اشخاص مشوهين خلقيا بسبب التجارب النووية بالصحاري الامريكية الشاسعة، لعائلة اتت لقضاء عطلتها، فتحولت نزهتهم الى مأتم حقيقي.
نفس المأتم نراه اليوم بالجهات الجنوبية عموما والداخلة خصوصا، حين عرت كورونا واقعا مصطنعا لتنمية لها عيون، تقضم المال العام قضم الابل ربطة الربيع، فتحولت تلك الجهات الى مقابر عمرانية لا تحمل من وسم المدن غير الشوارع المبلطة والارصفة المنمقة.
في الداخلة تحولت التنمية الى عنوان عريض يخفي غابة ذئاب المال العام، وجسر مفتوح للطامحين والراغبين في نهب المال العام بعيدا عن أعين الرقابة والمحاسبة، مستفيدين من تأمينات "خصوصية المنطقة"، التي تمنح لهؤلاء صكا أبيض في المتاجرة في مدخرات وثروات المغاربة بعيدا عن "مينوط" القانون.
في تل الداخلة كل شئ مباح أمام استباحة الميزانيات، التي تحولت في جماعات ترابية الى ميراث شرعي للرؤساء وعائلاتهم، حيث تتحول ميزانيات التجهيز نحو قطعان الإبل والمنازل الفخمة والسيارات الفارهة التي "جابها الله" لعدد من المنتخبين الذين ولجوا السياسة على باب الله، وباتوا اليوم على باب الابناك والاستثمارات الضخمة.
في تل الداخلة كذلك مقاولين صنعهم الولاة السابقين بالجهة، وباتوا يحتكرون جميع الصفقات وعمليات التبليط والتزفيت، ثم باتوا الآن من أكثر اوكار الفساد قبحا على الصعيد الوطني، ويكنزون في مكاتبهم اخطر ملفات الرشاوي والبيع والشراء مع قادة المجالس، لذلك يحتاج التحقيق معهم سنوات طويلة وسجنا فسيحا لكثرة مخالطيهم.
في تل الداخلة، ركبت وزارة الصيد البحري على ظهر التنمية، ومنحت وحوشها كل شئ ليعيثوا بالمنطقة فسادا واستنزافا، حيث لم يعد لهؤلاء أي خشية من القانون وتطبيقه والسلطة المشرفة عليه، وقد خرج بعض الموظفين بمندوبية الوزارة بالجهة من اثرى اثرياء البلاد، كما صنع وكر الفساد هذا ملوكا من تجار الاخطبوط يمتصون دماء البحارة والساكنة، ليستثمروا الاموال في جهات اخرى بعيدا عن قرف الداخلة وزيف التنمية.
للتنمية عيون، وللفساد عيون اكبر بهذه الجهة، والمستشفى الوحيد بالجهة الاغنى على الصعيد الوطني، تعادل ميزانيته ميزانية "قطيع ابل" احد رؤساء المجالس بالداخلة، في تناقض صارخ وتباعد اجتماعي بين طبقة تملك كل شئ واخرى لا تملك غير المشاهدة، ما دام القانون لا يطبق إلا على المحرومين والضعفاء وجياع هذه الربوع.