الداخلة الآن : محمد سالم الزاوي
وكأن التاريخ يصفعنا لنستفيق من عشاءنا الاخير على موائد الرأسمالية المتوحشة والتباهي والتفاخر وصناعة عجل العشيرة. وكأن الحياة تؤدبنا اليوم على أيام التكاسل والتباعد والتجاهل وتقديس المادة في قبال القيم والأخلاق والعلم والإنتاجية، وكأن هذا الجزء من الأرض كان ولم يكن يوما يركض خلف أواني الذهب والفضة حين عاجله ملك الموت على جناح خلية مجهرية قذفها خفاش في بطن صيني جائع بأحد المطاعم.
فجأة لم يعد للحدود والتأشيرة والجواز والفرار الذي حلمنا به عن أوطاننا بجرم أو بحثا عن كرامة العيش أي وجود وقد تبرأت الأمم من بعضها في طريق النجاة من هذا الوحش السائر في التصاعد على جثث البشر، فجأة عادت النازية بزعيمها وشاربه وعادت الفاشية بزعيهما الأصلع وتوسدت روما مجنونها الذي أحرقها، ولم يبقى من مفر لمن أحبوا "الحبة" بلغتنا وعشقوا نعيم الحياة على ظهر المقهورين من مفر غير أريكة الصباح وصحيفة المساء خلف ابواب مغلقة.
اخيرا فهمنا بأننا عالم من العوالم الذي لم ينتج يوما غير المسخ واستهلاك ما يطرحه غيره، وفهمنا بأن مقولة كنتم خير أمة أخرجت للناس، لم تنفعنا في عصر الزحف الاكبر على الأرواح بفعل خلية مجهرية. اخيرا فهمنا أن زخرفة مساجدنا واحساننا على مكان توهمنا دوما أن الله حبيسه كان حتما أكبر أخطائنا، لم نفهم بعد بأن من صورنا في أحسن تقويم يريد لنا أن نحسن التقويم، أن نبحث في أنفسنا عن إنسانيتنا وعن عقولنا وفكرنا وعلومنا، عن كل ما يخدمنا حتى وإن كان الدين الذي خدمناه قرونا فلم يمنحنا غير لحى طويلة ومفخخات على أبراج بغداد وفتاوى على فروج النساء.
آه كم كنا نحتاج لذلك الجائع الصيني الحامل لخلية هذا الوحش الوبائي القاتل، لنعرف قدرنا بين الأمم، لنرفع أيدينا بالتوسل والمناجاة نصرا للفرنسي والألماني والصيني والأمريكي ومختبراته الطبية، عرفنا حتما كم نحن بلا قيمة ولا فائدة ونحن نتضرع لعالم كافر لعنته مآذننا صباح مساء لينهي كابوس ترفنا وعيشنا الذي لا يتجاوز حد البطن ومقذوفاته. آه لو يعلم الرازي وابن سينا والخوارزمي أن علومهم دجنها ملتحي لفكر متحجر يعبد الله على حرف ويضع العقل في سلة المهملات، فكان ما كان لننعم اليوم بحياة الأنعام التي تتسابق على العلف وتنتظر أهل الكتاب ليستفتوننا في أمر حياتنا.
لكم تشوقنا كثيرا لمثل هذه اللحظات العصيبة لنعرف كم نحن تافهون، ولكم إنتظرنا أن نمتحن بمثل هذا الإمتحان لنشاهد وضعنا العاري من كل شئ عدى عن الأكل بشراهة على موائد الرحمان، فالحياة دوما كانت تعطي الدروس مجانا لمن ينتبه لشرحها، لكنها لم تمنحنا يوما شرحا يلامس الروح ويحمل عصا الموت، فأفضل الدروس تلك التي تكون على مقلصة الإعدام، لأن ما بعدها لن يحمل لصاحبه أي ذكرى بل الفناء الأبدي دون رجعة.
في دولنا فهمنا رغم جحودنا أن التعليم والصحة هما عجلات التقدم في سباق الأمم، وفهمنا بأن بنياتنا التحتية التي صرفنا عليه دم قلوبنا في قبال هدم الإنسان كان أكبر أخطاءنا، فهمنا أن حشرة جرثومية عبرت من الصين على ظهر طائرة، إستطاعت اليوم أن تفظح بهرجتنا الفارغة من كل مفيد، وأن لا معنى لحياتنا اليوم ونحن نعاين أضرار واقعنا في متابعة لمختبر غربي عله ينجينا من بؤس المصير.
تبا لحياتنا فقد توهمناها يوما أفضل بأبراجها الزجاجية وطرقاتها الإسفلتية، لكنها غدت مجرد حياة مفقود يبحث عن النجاة في يد الأمم.