الداخلة الآن
يعيش العالم اليوم أزمة معابر بحرية كانت شرارتها تتطاير من الخليج الى المحيط، وكادت أن تعجل فتيل القتال بين ايران وأمريكا، والذي ربما لو حدث لكان بداية حرب كونية لا يعرف متى ستنتهي. أزمة معابر بحرية عاشها العالم شرقا لكنها بالموازاة مع أزمة معابر برية ربما كانت الكركرات أحد أهم أوجهها.
في سنة 2016 تمخض عن خطوة تعبيد الكركرات أزمة خانقة كادت تعصف بالمنطقة في اتون حرب مدمرة، وهي الخطوة التي كانت تروم محاربة اعمال التهريب ب" قندهار " وهي عمليات روتينية دأبت القوات المسلحة الملكية عليها، دون ان تثار حولها كل هذه الزوبعة، بيد ان تجاوز الامر الى تعبيد الطريق وبكل ما للخطوة من دلالات سياسية و رمزية وسيادية، تعكس الاهداف الحقيقية المضمرة و غير المعلنة من الخطوة، و التي تهدف للتكريس لواقع جيوسياسي غير مسبوق، ابسطه الزحف على ما تعتبره الامم المتحدة منطقة عازلة وتعتبره البوليساريو اراضي محررة .
الكل كان ولايزال يغني على ليلاه هذا هو حال الأطراف جميعها فكل طرف يحاول أن يخلق المشهد ولو بصورة تكرس النصر لصالحه، مع إلباس الطرف الآخر الهزيمة، وهو ديدن السياسيين على كل حال. لكن الواقع اليوم وبعد سنتين على تجاوز تلك الأزمة يعود مرة اخرى واقع المعبر الساخن للواجهة وتعود معه رائحة البارود لتدب في المنطقة.
وإذا كانت الجبهة ترى في هذا المعبر اقبارا لمسلسل التسوية الاممي للنزاع برمته، و محاولة للترامي على منطقة عازلة تفصل المغرب عن موريتانيا بكل ما يحمله ذلك من رمزية لسيادتها ودولتها المستقبلية التي تمني النفس بها. فإن المغرب ومعه فرنسا والاتحاد الأوروبي عموما يرون في المعبر جسرا تجاريا واقتصاديا بين الشمال والجنوب، وليس هناك من تلك القوى من بإمكانه التخلي عن مداخيل مالية كبيرة لأجل حفنة من المتمردين المحسوبين على الجزائر وجودا ودعما.
ولعل الدارس لما يحدث هذه الأيام بالمعبر الحدودي الهام، سيجد بأن المعبر تحول الى مربع بدون سلطة ضبطية وخارج قانون أي دولة سواء موريتانيا أو المغرب، بل وحتى سلطة البوليساريو التي تقر بأن تلك المنطقة تحت السلطة الحصرية للأمم المتحدة التي تكتفي قواتها بالمراقبة وتدوين الملاحظات لا اكثر ولا أقل. بينما تُضرب المصالح الأوروبية تجاريا من خلال شحنات النقل البري التي باتت مشاهدها تذكرنا بمعبر رفح البري أيام الخلاف المصري الفلسطيني.
هناك اذا واقع جديد قد يكون محركه الأساسي قوى دولية عظمى تتنافس اقتصاديا وتجاريا على القارة السمراء ومعابرها وموانئها، خصوصا وأن الصين بدأت زحفها شمالا نحو دول المغرب العربي التي كانت بوابة فرنسا نحو العمق الافريقي، بينما يترقب الروس وضع المنطقة وعينهم على أنابيب الغاز النيجيري التي قد تمدُ أوروبا بهذه المادة الحيوية عبر هذا المعبر وتعصف بغاز سيبيريا نحو الهاوية.
المؤكد حاليا أن هناك أزمة محركها قوى دولية تتصارع على مصالحها، وسيكون وقودها شعوب المغرب العربي الذي سيحترق بلهيب حرب تتداخل فيها أراضي 3 دول أساسية من دول المنطقة هي المغرب والجزائر وموريتانيا، وعندها لن يسلم من حريق المعابر التي هدأت شرقا من ينفثون في شرارتها من شمال المتوسط.