الداخلة الآن : بقلم : محمد سالم الزاوي
وانا أسامر ذات سنة بمساء ايامها الطويلة وسط المقاهي أقلب صفحات هاتفي واعود أدراجي بلا أمل في المستقبل نحو منزل عائلتي بالداخلة، كنت يومها أستجمع قراري الاخير بالهجرة عن هذا الواقع الرتيب والحياة الروتينية التي تعقب سنوات من التحصيل العلمي دون أن تكافئك الحياة ولو بشق راتب يكفيك مد يد العون لأسرة متضررة أصلا من سنوات حِّمل دراستك.
ولأن مجتمعنا يقيس قيمتك بما تملك لا بما تفقه، فوزنك على الأرض بهذه الصحراء الظالمة لا يعدل غير ما يحمله رصيدك ومظهرك أو "خيمك" كما يحلو لهم تسميته وسط قوم ينسلخون من عباءة القيم كما ينسلخ الجلد عن الذبيحة، عندها لا تستطيع وقف وابل الأفكار والقرارات التي تنهمر على بسيطة دواخلك للفرار بعيدا عن هذا الواقع المحموم.
لقد كان واقعي جزءا من واقع يعم ويزيد شساعة وانتشارا بين من يقاسموننا هذه البقعة بمدنها واريافها، خصوصا وانت ترى نفسك جزءا من هنودها السمر والوريث الشرعي لخيراتها في وصية ملاكها، بل يزيد بؤس أيامك وانت ترى حنان عطاءها يتدفق على من جاءها حاملا أثقال حاجته من كل فج عميق، فلا الواقع يرحمك ولا على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
اليوم وفي خضم ما يروج من ردود فعل حول كلام عمدة العيون، والذي أعطي حجما يفوق حجمه بكثير وألبس عباءة عشائرية باتت على ما يبدو مؤخرا طوق نجاة لكل شخصية عمومية تحاول شخصنة أزماتها وتحويل القبيلة "قفازات"تبريد لكل ما صنعته يديها. فعمدة العيون ربما قد يكون خرج عن سياق التحفظ بعباراته التي لم تعجب البعض، لكنها في عرف السياسة قد تكون جزءا من خطابات الساسة الشعبويين، وتلك أمريكا بعظمتها يخرج رئيسها دوما عن السياق بعبارات أكثر فحشا من كلام العمدة، لكن ما يلام عليه العمدة ليست العبارات بحد ذاتها بقدر ما يلام على خروجه عن جادة الواقع الذي من المفروض بأنه يعلم جيدا سره وكنهه في مدينة يحكم مجالسها منذ عقود، فالعمل في بيئة إنسانية تحفظ للمرء كرامته وإنسانيته وحقوقه في دول متطورة من الجنون قياسها بظروف العمل وسط بيئة متخلفة ضمن دول من العالم الثالث.
إن ما نلام عليه اليوم جميعا ليس كلام العمدة بقدر ما نلام على إزدواجيتنا ومرض "السكيزوفرينيا" المزمن الذي نعاني منه كصحراويين، فنحن من نحطم أرقام المشاركة الانتخابية على الصعيد الوطني، ونحن من نعيب العمدة وغيره من المنتخبين اليوم ونتدافع على حملاتهم الانتخابية وتأطيرها غدا، نحن من نتهم الدولة بالتهميش والتقصير ولا نلوم أنفسنا على تفريطنا في آليات المحاسبة التي منحتها لنا بمحض إرادتها، ولعل صناديق الإقتراع إحداها.
نحن منافقون بالفطرة ومرتزقون بالفطرة ومتلونون بالفطرة، نحن هم من نصرخ افتراضيا ونصمت واقعيا، نحن هم من نبكي قتلانا في أعماق المحيطات وبالمقابل نأخذ ثمن التصويت على من دفعوهم لذلك الواقع، نحن فقط من نتكلم لأجل المقابل ونصمت للمقابل ونتحرك ونقف لأجل المقابل أيضا، لذلك لا غرو أن نعيب من هو جزء من عيبنا.
أذكر أن أحد شيوخنا الأفاضل بالداخلة، وقف يوما في وجه ترشيح غير المنتمين لهذه الجهة بالمجالس، وأذكر كما سمعت يومها كيف منع أحد الولاة من فرض أسماء على لوائح الترشيحات لا تنتمي للداخلة من قريب أو بعيد عدى عن كونها أستقدمت على ظهر ملف الصحراء، يومها لم يكلف الوالي نفسه بعناء التبرير بل جلب جزءا كبيرا من شيوخ القبائل لتزكية مقترحه بمقابل مادي طبعا.. فكان له ما أراد وكان للداخلة ما ترونه اليوم من تمثيل بالمجالس لا يقارب سحنتها ولا يهتم لهمها وكمدها.
هذا جزء من فيض وفقرة من سجل مجتمع يتلون مرحليا حسب حاجات أفراده الخاصة رغما عن القيم والاخلاق والتاريخ.. والله لا بدلت بينا..