الداخلة الآن
لاتزال الجهوية الموسعة التي يعقد عليها المغاربة آمالا كبيرة تحبو على رمال الصحراء، وكأن قدرها أن تصبح حبيسة الجريدة الرسمية والقوانين الوضعية التي لا تجد طريقها للتنفيذ، تاركة جهات الصحراء والداخلة خصوصا ضحية من ضحاياها، وعرضة لخطر الهجوم الاستثماري والاستنزافي لثرواتها وخيراتها دون أن تنعكس على واقعها السياحي والبحري والفلاحي.
ففي كل دول العالم هناك تحديد للمسؤوليات و هناك محاسبة لما مضى من مخططات وأوراش ومشاريع، إلا في الصحراء هناك دائما سياسة إسمها العبث و هي في حد ذاتها فلسفة لمن يدرك أبعاد العبث حين يختلط بتلاوين السياسة والاقتصاد و في الداخلة العبث يعيد تجميل وجهه في كل مرة، تاركا أبناءها على قارعة الطريق يعانون حر الجوع القصري في إنتظار ثروة مختطفة من رجال أعمال لا يعرفون عنها إلا ترقيم البواخر وحجم مداخيلهم السنوية.
وقد يتفق المتابعون أن الجهوية وجدت بعض تنزيلاتها في المجالس المنتخبة التي تم توسيع صلاحياتها وتضخيم ميزانياتها، لكنها مرفقة بتغاضي أعمى عن ما يقع من قضم لحقوق الناس وأموال العامة، حيث لا تزال تقارير المجالس العليا للحسابات حبيسة الرفوف ولا عقاب ولا متابعة لمن أكلوا البلاد والعباد بالمنطقة، عدى عن تمتيعهم بمزيد من الدعم والسهر على راحتهم في تقسيم الغنيمة بعيدا عن صوت الجياع.
الداخلة الجهة المدينة الطيبة بساكنتها وبتاريخها وبسلميتها حتى عرفت بأنها "مدينة دون أهل"، لم يسلم واقعها من شذاذ الافاق الذين سقطوا بتوصيات من المكاتب المكيفة بالرباط ليحجزوا فيها مكانا بين أثرياء القطاعات التي تحولت مثل عملة للغرباء لا تقبل المصارفة مع أبناءها، بل لم يتركوا في هذا الحيز المكاني غير ما جادت به أرصدتهم من بقايا ما أكل السبع من شواطئها وفرشاتها المائية ومنتوجاتها الارضية والبحرية. فأين هي الجهوية الموسعة من سباق الاولوية لأبناء الجهة في الاقتصاد ؟ وكيف يتمتع بالامتيازات من لا يستثمر في تنميتها ويحرس على استدامة ثرواتها ؟
لا شك ان غياب نخبة سياسية واقتصادية من أبناء الجهة تحمل غيرة وطنية صادقة، على الجهة وثرواتها هو الدافع لإستمرار العبث، وزيادة منسوب التهميش في صفوف أبناء الجهة، فالملك نفسه من حمل إلينا مشاريع وأوراش كبرى خصنا بها دون باقي الجهات الاخرى، وهو من بذل المليارات في سبيل احداث واقع اجتماعي وإقتصادي جديد، لم يلبث أن تكالبت عليه حكومات واحزاب ورجال أعمال هم صفوة الصفوة في هذه البلاد، وهم من يملكون كل شئ في هذه الجهة على غرار جهات اخرى، تاركين لأبناءها موسمين للأخطبوط يتصارعون حول ما تجنيه أسواقه لسد رمق العيش، لينتهوا لإغلاق اخر الابواب وصد بارقة الامل الوحيدة أمام شباب ذنبهم أنهم يحملون جينات الوادي أو "الجريف".
فمن يوقف جشع من يملكون السياحة وفنادقها المصنفة، ومن يوقف من يملكون الفلاحة بضيعاتها الفسيحة، ومن يوقف من يستنزف البحر وهو لا يرتبط بالداخلة إلا برابطة جني الارباح وحصد الثراء على ظهر ساكنة لازالت على قارعة الرصيف تنتظر الانصاف ؟.
سؤال ننتظر من الذين برمجوا هكذا جهوية موسعة أن يعيدوا ترتيب حساباتهم، لأن الجهوية التي نعرف ونفهم في أصقاع العالم لم تكن يوما حكما عقابيا لأبناء المناطق المعنيين بها.