الداخلة الآن
ما تعرفه الداخلة هذه الأيام من وقفات واعتصامات ومظاهرات تكتسي على الاغلب طابعا إجتماعيا صرفا، يؤكد اولا هشاشة الوضع الاقتصادي وحالة التهميش التي بات يعيشها المواطن الصحراوي بإعتباره المواطن الأصلي للجهة وأبن المنطقة المعني الاول بها في المواثيق وأمام المحافل الدولية.
غير أن أخطر ما يترجمه هذا الواقع المزري اليوم، هو انعدام الثقة تماما في المؤسسات والقانون والمنتخبين، ولكي نكون صرحاءؤ فقد بات احساس الناس باللجوء للشارع و"شرع اليد" هو اخر الدواء في غياب مؤسسات حقيقية تتفاعل مع مطالبهم واحتياجاتهم، مع تفشي الفساد في جلها وغياب المحاسبة وهيمنة اللوبيات على معظمها. أما القانون في الصحراء فلا يعدو كونه نصوصا مكتوبة تتم الاستعانة بها لاستغلال سلطة القهر لترويد العامة، بينما يتم تعطيله في أحيان كثيرة في ظل وجود المحسوبية والزبونية وقضاء المصالح بالهاتف بين من يهيمنون على الاقتصاد والسياسة وحيتان المركز. دون أن ننسى أكبر عبث يتهدد المنطقة وهو ما يسمى حالة "الاستثناء" في الصحراء، التي تعطل تطبيق القانون بصرامة في ملفات كثيرة.
ولعل اخطر ما يفسر هذا الوضع الكارثي هو انعدام الثقة في المنتخبين والاحزاب السياسية، حيث بالرغم من استبشار الساكنة خيرا من التجربة السياسية السابقة وما أعقبها من برامج اجتماعية خصوصا على مستوى المجلس الجهوي، ساهمت نوعا في امتصاص الغضب وتنفيس الواقع الاجتماعي الذي بلغ درجة الغليان، إلا أن التحالف المصلحي بين حزبي الاحرار والاستقلال رهن مستقبل الجهة بين فئتين من أصحاب الماضي الاسود في اختلاس المال العام واحتكار الصفقات وتفتيت الميزانيات، حيث لم يكتفي هؤلاء بإعدام كل البرامج الاجتماعية السابقة، بل اغلقوا المجالس على أنفسهم وراحوا يلتهمون المال العام فيما بينهم دون حسيب او رقيب في غياب أي احساس بمعاناة المواطن.
إن ما يحدث اليوم وبعيدا عن ما يروج من تدخلات خبيثة من اطراف حزبية واخرى كانت الى الامس القريب تعمل في قسم الشؤون العامة بالولاية من أجل تأجيج الوضع أكثر، إلا أن ما يحدث في الداخلة يهدد الامن والاستقرار بجهة كانت دوما مضرب المثل في السلمية والتعايش والاستقرار الاجتماعي، غير أن الحصار الذي ضرب على المواطنين خاصة الصحراويين، إضافة لإستشراء الفساد واتساع الهوة بين طبقة سياسية فاسدة واخرى اقتصادية متغولة أو قادمة بمظلة نافذة من مدن الشمال، جعلت المواطن يستند على المثل الحساني القائل "الله إفك لحمامي اذراعو.."، وذلك واقع خطير قد يمتد ظله لمدن اخرى بالصحراء قد تكون ثورتها اشد على الدولة واجهزتها من أي منطقة اخرى.