الداخلة الآن
يبدو أن ملف الصيد التقليدي على مستوى جهة الداخلة وادي الذهب، يسابق الزمن نحو مقلصة الاجهاز عليه، بعدما بات قطاعا مزعجا للدولة ومؤسساتها المتداخلة، خاصة أن هذا القطاع تحول من عادم للبطالة ومحرك إقتصادي هام الى متهم رئيسي بتحريك موجات الهجرة السرية نحو السواحل الاوروبية، إضافة لإنعاش التهريب بأنواعه.
ورغم أن مخطط أليوتيس وما حمله في سنة 2004 لم يبقي إلا على 3275 وحدة للصيد التقليدي مقسمة على ستة قرى للصيد، إلا أن تناسل قوارب الصيد في هذا الصنف حوله الى أكبر خلية لأعمال اخرى كانت الثروة البحرية أكبر متضرر منه، غير أنها أعمال تجري تحت مرآى ومسمع من السلطات وهي المغذي الرئيسي لكافة الممارسات غير القانونية بهذا الصنف.
وإذا كان بإستطاعة الدولة وسلطاتها تقنين هذا الصنف ومنع كل أشكال التهريب داخله، فإن تغاضيها عن حالة التسيب داخله جاء لأسباب يمكن تلخيصها في رغبة السلطات المشرفة على قطاع الصيد البحري في التخلص من هذا الصنف الذي بات يضايق كبار المستفيدين من القطاع من ملاك بواخر الصيد في أعالي البحار والصيد الساحلي والصيد الصناعي.
وحسب إحصاءات السلطات المختصة فإن قطاع الصيد التقليدي يعد أكبر مشغل لليد العاملة بالجهة، إلا أن رقم معاملاته لا يرقى لما تجود به الاصناف الاخرى، كما أن الصيد التقليدي تحول الى أكبر قنبلة تواجه السلطات بالجهة التي تعرف تحولات تنموية وعمرانية كبرى تروم تحويلها الى قطب سياحي واقتصادي ضخم، لن يكون بمقدور الصيد التقليدي مجاراته مع نهاية تشييد الميناء الاطلسي الضخم الذي سيكون محطة دولية لربط المغرب وعمقه الافريقي.
نتذكر جميعا ان الاستراتيجية القديمة لاستغلال مصايد الأخطبوط. كانت نتاج عمل ثلاث لجان أنشأها الوزير الاول انذاك ادريس جطو في سنة 2004، والتي بحثت على التوالي في الاسباب التي أدت إلى استنزاف هذه المصايد، وإجراءات التقويم والحفاظ على ثروات الأخطبوط، بالإضافة إلى التدابير التي ستطبق لمواكبة قطاع الرخويات في أفق عودته إلى نشاطه على أسس صحيحة تسمح بحماية المصايد بيولوجيا، وكذلك الاستثمارات العمومية، والخاصة المرتبطة، بها فضلا عن الرأسمال البشري الذي يشتغل بهذا القطاع. وبالرغم من الملاحظات حول من تم توظيفهم في تلك المشاورات والنقاشات لبلورة المخطط، إلا أن هناك هفوات ونقائص خطيرة كانت سببا رئيسيا فيما بلغته المصيدة الجنوبية من استنزاف بعد إنهاك باقي المصائد.
ولعل اخطر تلك القرارات هي تقسيم مصائد المغرب الى 4 مناطق هي: السعيدية طنجة، وطنجة الجديدة، والجديدة طرفاية، وطرفاية لكويرة (أو ما سمته الوزارة نفسها بالاستغلال المنطقي لمصايد الأخطبوط). وهو قرار كان سببا رئيسيا في ضرب المصائد بعدما بات التلاعب في نقل البواخر بين المصائد عملا مربحا لبعض اللوبيات المحترفة داخل وزارة الصيد البحري، كما أن عصابات تهريب الاخطبوط استفادت من تفاوت الراحة البيولوجية لتبييض مصطاداتها، حيث أن الاخطبوط المهرب بالمصيدة الجنوبية خلال فترة الراحة البيولوجية يتم تبييضه بمصيدة اخرى لا يشملها قرار الراحة البيولوجية. وهكذا استمر الحال في اعدام الاخطبوط الى ان بلغ مستويات خطيرة.
واذا كان قطاع الصيد التقليدي، في الاستراتيجية السابقة قد شمله الاتفاق على عملية إتلاف زوارقه التي توجد في وضعية غير قانونية قبل استئناف أنشطة صيد الأخطبوط، كما تنص على تحديد الوحدات الصغرى الخاصة بالتهيئة لربطها بالقوارب النشيطة حسب نوع الصيد، وتخصيص المراكب حسب المهنة، وتبعا للأنواع المستهدفة.حيث تضمن مخطط التهيئة واستغلال المصايد السابق كذلك عدة إجراءات، من بينها على الخصوص توزيع حصة الأخطبوط حسب فرع النشاط (63 % لفرع أعالي البحار، و11 % لفرع الصيد الساحلي، و26 % لفرع الصيد التقليدي، إضافة إلى إحداث لجنة مركزية للمتابعة، وأخرى للمراقبة وتشمل هذه المقتضيات كذلك مراجعة حقوق الولوج للموارد. والحفاظ على إناث الأخطبوط، بالإضافة إلى إنشاء لجان تدبير الحصة الفردية حسب الفروع. فإن عودة المخطط مجددا لنقطة الصفر وتناسل القوارب الغير قانونية لتعود لما قبل فترة 2004، بات يستوجب ايضا مخططا جديدا ينهي النقائص التي حملها سلفه. أو ينهي حالة الفوضى بالقطاع ما دامت تلك المخططات مجرد حبر على ورق من الصعوبة تطبيقها على أرض الواقع.
غير أن ما يبدو في الافق يعكس رغبة خفية لدى وزارة الصيد البحري في إنهاء الصنف الأضعف من تلك الأصناف، وبالتالي الاكتفاء بالاصناف الاخرى التي تتحكم الوزارة في ملاكها وتستطيع توجيههم وفق املاءاتها، خاصة وأن هذه الاصناف كانت المستفيد الاكبر من الحصص المخصصة لصيد الاخطبوط بالمصائد المتواجدة بسواحل المملكة، وبالتالي فإن توجيه اصابع الاتهام لأضعف الاصناف بإستنزاف الثروة ليس سوى مقدمة لإعادة تقليص القوارب الخاصة بالصيد التقليدي في أفق إنهاءها كليا.