الداخلة الآن
يريد المغرب تحويل قضية الصحراء إلى قضية إنسانية تخص “لاجئين”، وليست قضية سياسية تهم تقرير مصير ساكنة إقليم لم يقرر مصيره بعد كما تسعى له جبهة البوليساريو، وإن تعارض إحصاءان: الموجه للاستفتاء، وآخر للاجئين، فإن هامش المناورة من داخل أدبيات الأمم المتحدة سيتسع لصالح المغرب.
تقول وثيقة “ويكيليكس تحت رقم 776” لشهر شتنبر 2009، التي كتبها المستشار السياسي الأمريكي في الرباط، غريغوري توم، حول الإجماع الحادث بخصوص جهود أنطونيو غوتيريش، المفوض السامي السابق للاجئين، في زيارته إلى المنطقة، وضمت المغرب والجزائر والرابوني ـ في تندوف: “إن توافقا كبيرا حدث حول إحصاء غير سياسي للاجئين من دون فيتو القبائل، قد يؤسس للوائح انتخاب سلطة انتقالية تعود إليها إدارة الإقليم ويطمئن إليها الجميع”.
وفي نظر المغرب، فإن هذا الإجراء يفكك كيان البوليساريو من الداخل، ويحول الأنظار عن الاستفتاء بعد نجاح 8 آلاف زيارة بين الصحراويين، ووجود 40 ألف مسجل في لوائح طرفي النزاع، فيما تريد البوليساريو، عبر نفس الآلية، تشجيع الانتفاضة الداخلية وعنوانها “أكديم إزيك”، وتحول هذا المخيم الذي شمل آلاف الصحراويين، عن الأهداف المرسومة له في العاصمة الرباط، حين قبلت به في البداية قبل أن تقرر فضه عن طريق عناصر شابة من الدرك الملكي.
وقد تشجع الآلية القانونية للاجئين إرساء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وتراجع فعلا نقل هذه الاختصاصات من “المينورسو” إلى “المفوضية السامية للاجئين”، لأن الأهداف وقعت في المنتصف عندما لم يصل أي طرف إلى ما يرغب فيه.
تقول البرقية السرية، “إن أنطونيو غوتيريش، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، والرئيس السابق للمفوضية السامية للاجئين، قرر أن يكون البروتوكول المعروف اختزالا في (غوم) آلية قانونية لتسجيل اللاجئين ، تضمن “حماية الأمن الداخلي للمملكة في إطار اتفاقيات جنيف”.
وشجع هذا المسار العاصمة الرباط في 2009 على السماح بإنشاء مخيم للاجئين في 2010 سمي “أكديم إزيك” قبل أن تنقلب عليه، وتبقى الحماية القانونية للاجئين الصحراويين القادمين من تندوف تحت الإدارة المغربية “معقدة” إلى حين إعطاء بطائق هوية وعدت إسبانيا بتمويلها، وإنشاء وضع قانوني حسب التشريع المغربي يطابق “اتفاقيات جنيف”، وأرادت الرباط تجريب هذه الطريقة في “أكديم إزيك” قبل أن تفشل.
طي محاكمة “أكديم إزيك” هي الرسالة المرغوبة من أنطونيو غوتيريش، لأن ما جرى نتيجة مقاربته لعودة اللاجئين الصحراويين إلى الإقليم، لكن الرباط فضلت انسحابا في الكركرات من 600 متر، عوض مواجهة ما قرره الأمين العام للأمم المتحدة في إدارته للمفوضية السامية للاجئين
تنظر دول مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، إلى تعاطي المغرب مع نتائج مقاربة أنطونيو غوتيريش لملف اللاجئين في رئاسته للمفوضية السامية، خصوصا وأن “أكديم إزيك” لم تكن إلا تمرينا فاشلا للآلية القانونية الخاصة بإحصاء اللاجئين الصحراويين، وعودتهم إلى دورهم تحت ما يسمى اختزالا، آلية “غوم” وآليات أخرى مساندة.
ورفض المغرب هذه الآلية في “أكديم إزيك” كما رفض توسيع مهام “المينورسو” لمراقبة حقوق الإنسان، بما يجعل الأمم المتحدة في نهاية عهد الأمين العام السابق بان كيمون، في الاتجاه المعاكس لرؤية واستراتيجية المملكة الشريفة.
وأجلت الرباط الانطلاق في المفاوضات، كما طردت، قبلها، الطاقم المدني لـ “المينورسو”، ولم تقرر عودة 17 من أفرادها إلا بعد اتصال الملك بأنطونيو غوتيريش، وهي بذلك تقدم تنازلات عن أوضاع “مستحدثة”: عودة باقي طاقم “المينورسو” والعودة إلى الوضع القائم في “الكركرات”، ويدير المغرب مشاكل منها:
1ـ عدم تحول الآلية القانونية لعودة اللاجئين إلى آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء تمارسها البعثة الأممية “المينورسو”، ويقبل في الكواليس، ممارستها من طرف المفوضية السامية للاجئين أو المجلس الأممي لحقوق الإنسان، فلا تكون الولاية لطرف واحد ومنسجم.
2ـ الوصول إلى إحصاء اللاجئين ينازع لوائح إحصاء الاستفتاء بما يلغيه عمليا، لكن الأمم المتحدة تعتقد أن ولايتها، في تناسب وتدقيق الإحصائين بما يجعل لوائحها أكثر دقة، لأن من المهم عزل الصحراويين المقبولين في لوائح الاستفتاء، عن باقي مواطني الدولة المعلنة من طرف واحد في المخيمات، وهي ورقة قد تخلط إجراء الاستفتاء نهائيا مع لوائح أخرى.
وتعرف الأمم المتحدة حدود هذه المناورة، وقررت أن تكون ولايتها كاملة من طرف مجلس الأمن عبر بعثة “المينورسو”، ورسخت هذا المطلب دون غيره في أزمة “الكركرات”، وعاد الطاقم المدني إلى الاشتغال دون تغيير عنوان مهامه (وقف إطلاق النار وإجراء الاستفتاء).
3- “جمهورية” البوليساريو ترى تجنيس مواطنيها من غير المقبولين في الاستفتاء، على أساس إنساني أيضا على أن تمول إسبانيا هذه البطائق البيومترية، وتحمل علامتها “الجمهورية” التي لا يعارضها المغرب في الاتحاد الإفريقي.
وأخذ غوتيريش منظوره على أساس وسط بين البوليساريو والمملكة، أي الوصول بأعداد اللاجئين إلى 100 ألف لاجئ، وهو رقم بين 50 ألف التي يقول بها المغرب و150 ألف التي تحصيها دوائر البوليساريو، ويكون إسقاط 50 ألف شخص “هدية” للمغرب في نظر المدافعين عن مواصلة تنفيذ هذه المقاربة المنسوبة للأمين العام للأمم المتحدة، عندما كان رئيسا للمفوضية السامية للاجئين.
في إدارة غوتيريش للمفوضية السامية للاجئين، سعى المغرب إلى ربط كل المساعدات الدولية لمخيمات اللجوء بالمفوضية السامية للحد من دعم البوليساريو من طرف منظمات مناهضة له
قبل أزمة “إكديم إزيك” التي مست في الصميم مقاربة غوتيريش لإحصاء اللاجئين الصحراويين وعودتهم إلى أراضيهم، ساعدت الرباط المفوضية السامية للاجئين في الهيمنة على المساعدات الدولية الموجهة إلى مخيمات اللجوء، لأن المغرب أراد ربط هذه المساعدات بالمفوضية السامية للحد من دعم منظمات غير حكومية، ودول تتحرك عبر هذه المنظمات لمساندة جبهة البوليساريو، أجهزة ومقاتلين، وتكشف مراسلة من البعثة الدائمة للمملكة المغربية بجنيف في 11 يونيو 2002 عن هذه النية من خلال مشاورات قادها ألكسندر ألينكوف، مساعد المفوض السامي لشؤون اللاجئين.
وفي مراسلة موقعة في 15 يونيو 2011 موجهة إلى المغرب، وأخرى من غوتيريش، قصد تحيين المتابعة من طرف المفوضية السامية للاجئين، جاءت المرحلة الأولى شاملة للاعتراف الرسمي بعلاقة الحماية بين الدولة المضيفة (الجزائر) والمفوضية، بخصوص “الحماية والتجمع العائلي والمساعدة في الوصول إلى حلول دائمة” قبل الانطلاق في ما سماه الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، “عملية منسقة من أجل تسجيل اللاجئين مع الدولة المضيفة وبمشاركة قادتهم”، ولم يسم جبهة البوليساريو مطلقا باسمها، وهو ما عزز حظوظ المغرب في التواصل معه، لكن عملية “إكديم إزيك” ضد تجمع صحراوي، طالب أولا بحل مشاكله الاقتصادية، وقبل إعمال اللجوء والإشراف الأممي عليه من داخل الإقليم، زعزع الثقة في سلطات ترغب في استقبال لاجئين يحتفظون بحقهم القانوني في العودة، وحرية الاختيار بإشراف المفوضية على الآلية القانونية التي تجمعهم بالإدارة المغربية.
وناقش غوتيريش، (الذي يحب سماع حرف الشين البرتغالية في نهاية اسمه رغم إتقانه للإنجليزية والفرنسية والبرتغالية)، اقتراحاته مع ما سماه “السلطات القادرة في المنطقة”، وقال بمساعدة الاتحاد الإفريقي في إحصاء اللاجئين.
المغرب في الاتحاد الإفريقي يساهم في دعم الأفارقة لإحصاء اللاجئين كما قالت به مقاربة غوتيريش في رئاسته للمفوضية السامية للاجئين، وقد وافق المغرب على نموذج “غوم” المطروح لإحصاء ساكنة المخيمات والعودة إلى أراضيهم رغم نكسة “أكديم إزيك”
قد يطوي المغرب ورقة “إكديم إزيك” المحرجة للمغرب في موضوع تعامله مع مخيمات اللاجئين العائدين إلى أراضيهم تحت إشراف الأمم المتحدة، ولأن المغرب في الاتحاد الإفريقي، سيساعد الأفارقة في المساعي التي طالب بها غوتيريش منذ 2011 لإحصاء “غير سياسي” للاجئين والبدء بعودتهم إلى أراضيهم.
وسبق للمفوضية العليا للاجئين في مراسلة مؤرخة في 8 يونيو 2012 وموقعة من مدام كاتي شانو، أن أكدت باسم رئيسها أنطونيو غوتيريش، على إحصاء اللاجئين في المخيمات، فيما تريد الجزائر أن يكون الإحصاء داعما لاستقلال الإقليم ونقل الساكنة إلى المناطق العازلة لبنائها وتعميرها.
وكي لا تكون الإحصاءات مناقضة للوائح الاستفتاء فتسقط هذه المسطرة قانونا، قبلت البوليساريو أن يكون الإحصاء إحصاءا لساكنة “دولتها”.
ونسقيا، تعتمد العملية على تسجيل للاجئين حدث في شتنبر 2009، لدعم خطوات المفوضية نحو ما سمته “تجميع معطيات رئيسية من أجل وصول المساعدات إلى مستحقيها”، والمراسلات المسربة، والموقعة في يونيو 2011، تعمل على رهان مدروس لإحصاء اللاجئين.
دعم المغرب لغوتيريش يهدف إلى إحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف لتفكيك “الدولة” الصحراوية من الداخل، فيما تسعى البوليساريو إلى تعزيز قدرتها “الذاتية” وقواتها لفرض “الاستقلال” بعد معركة “الكركرات” التي لن يكون انسحاب الجبهة منها إلا بثمن سياسي واحد: “الاستفتاء” كوعد من الأمين العام بصفته الشخصية، والقانونية، وهو ما قد يؤثر على أهدافه في إدارة ملف الصحراء
يريد البوليساريو “وعدا شخصيا” من غوتيريش بالاستفتاء من أجل الانسحاب من الكركرات، وإعلان الإقليم “محتلا” كما قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كيمون، فيما تدافع الرباط عن “رؤية أنطونيو غوتيريش” في قيادته للمفوضية السامية لللاجئين التي يمكن أن يقررها ويحسم أمرها في ولايته للأمانة العامة للأمم المتحدة.
وحول الواقع الجديد لجبهة البوليساريو وصولا إلى مطالبتها بـ “الاستقلال”، فالمسألة لا تتعلق حاليا بـ “الاستفتاء” بعد دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.
وفي هذا الاختلاف حول “الأهداف”، تعيش الأمم المتحدة ترتيبا يعزز القيادة الفرنسية للبعثات العسكرية للأمم المتحدة حول العالم، لانتقالها من هيرفي لادسو إلى جان بيير لاكروا، بدعم شخصي من غوتيريش، وقد حرك في وقت سابق “دعما على الأرض لإحصاء اللاجئين” من خلال “توسيع عمل المنظمات غير الحكومية وتدبير المعلومة في الحقل الإنساني، والبدء في الاستراتيجية المساعدة، والتمثيل القضائي للاجئين من أجل الحماية والحقوق الداعمة وحرية اللاجئ”.
وقد أطلقت ندوة أدارتها المفوضية تحت شعار: “لا أوراق مواطنة، لا حقوق”، وتتعلق المسألة هنا بتنافس شديد بين الجزائر المضيفة، وإسبانيا التي اقترحت تمويل أوراق اللاجئين بما يعيد إليها المسؤولية عن الصحراويين، والمغرب من جهته، راغب في دمج اللاجئين وإنهاء مشكله مع القاعدة البشرية للبوليساريو، لكن الأوراش الجهوية للمفوضية قبل أربع سنوات، شملت البحث عن حلول للاجئين في إفريقيا: أنغولا وليبيريا وتنزانيا ورواندا، ولم تضم المفوضية إلى هذه الفئة، اللاجئين الصحراويين.
بعد الفشل في “إكديم إزيك”، أقصى غوتيريش الأجندة التي قررها حول اللاجئين الصحراويين، ورأى المغرب تعزيز عزل مجلس الأمن بالانسحاب من الكركرات لعزل كريستوفر روس
يريد المغرب إحصاء اللاجئين الصحراويين، حسب “خطة غوتيريش” الذي يرأس الأمم المتحدة، وفي هذا الاتجاه، جاء انسحاب المغرب من الكركرات لعزل مجلس الأمن بالانتصار للأمانة العامة، ومن تم عزل كريستوفر روس، ووضع الملف في يد أنطونيو غوتيريش دون مبعوثيه الشخصيين أو باقي المؤسسات.
ويحاول المغرب إدارة وضع حرج قد يطوي من خلاله ملف “إكديم إزيك” من ثلاث زوايا على الأقل:
أـ إعطاء مصداقية لقضائه بما يمكن من تسريع الآلية القضائية المسماة “غوم” لتسهيل عودة اللاجئين إلى أراضيهم.
ب ـ تجاوز توصية “المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” لدعوتها إلى “لجنة تحقيق” في حقوق الإنسان “الصحراوي” في الأراضي التي تدار من طرف المغرب.
ج ـ إحياء “نموذج غوتيريش” لإحصاء اللاجئين الصحراويين وعودتهم إلى أراضيهم بما يفكك حاضنة جبهة البوليساريو وبنيتها السكانية.
وتعرف أطراف الصراع سر المناورة في الإقليم، ومنها تقديم المغرب لتراجعات لم تكن سوى عودة إلى الوضع السابق قبيل زيارة كريستوفر روس، وكي لا تكون للمبعوث الشخصي أي مهمة، فضلت الرباط التواصل مع غوتيريش الأمين العام، وقد ساهم التعاون الجيد للمغرب في 2009 مع أنطونيو غوتيريش في الوصول إلى نموذج عارضه جزء من الإدارة الأمنية والعسكرية.
الجنرال الوراق عزل نفوذ وتأثير الدرك الملكي منذ انسحاب عناصر هذا الجهاز من الكركرات ومن الشمال حول سبتة ومليلية، وتحمل الجنرال بنسليمان مسؤولية التدخل لتفكيك مخيم “أكديم إزيك” الذي شكل صدمة لأنطونيو غوتيريش ونموذجه لإحصاء اللاجئين الصحراويين وعودتهم، وحاليا، تقرر على أكثر من صعيد، إبعاد الدرك عن هذه الملفات لتعزيز التعاون مع الأمين العام الحالي للأمم المتحدة
تقرر في المغرب، عزل الدرك الذي قاد على الخصوص، معركتي “إكديم إزيك” و”الكركرات” كي يفتح صفحة جديدة مع الأمانة العامة للأمم المتحدة، وتشكلت أهداف المرحلة الماضية من تقديرات منها:
1ـ فصل المسارات السياسية والحقوقية وإجراءات بناء الثقة عن بعضها البعض، ويستهدف المغرب بهذه الغاية، سحب الثقة من كريستوفر روس، الذي يركز إلى الآن، على الجانب الحقوقي.
2ـ الرغبة في تقييم شامل للجولات التفاوضية الرسمية وغير الرسمية بين المملكة والبوليساريو، وهو ما لم يكن إيجابيا بالنسبة للعاصمة الرباط، إذ قررت الأمم المتحدة تغيير إطار المفاوضات المنطلق في 2007، وهو ما ترفضه المملكة.
3ـ ما سمته تقارير الخارجية المغربية بـ “تهريب المفاوضات من عمقها السياسي” نحو قضايا جانبية تخدم أجندة البوليساريو، وتمسكت الولايات المتحدة في شخص إدارة باراك أوباما بالدبلوماسي، كريستوفر روس، لأن الوضع في نظرها، كان مهددا باندلاع حرب شاملة، وخفف من هذا التوقع، توقيع المغرب على ميثاق الاتحاد الإفريقي والدخول إلى هذه المنظمة القارية المعترفة بـ “دولة” البوليساريو.
وبقيت الأمور ثنائية بين المغرب والبوليساريو في مشكل “الكركرات” رغم سعي الإعلام إلى تأكيد انسحاب موريتانيا من البوابة الأولى لحدود موريتانيا الشمالية حتى بوابة نواذيبو القديمة غداة انسحاب الجيش المغربي من الكركرات، ونشرت مواقع مغربية أخبارا عن استدعاء الجيش لقوات الاحتياط يباشرها الدرك الملكي، إشارة منه إلى استعداده للمواجهة، وقناعته بهذا السيناريو.
وتخفف أو تؤثث هذه الأخبار الموجهة للاستهلاك المحلي، مواكبة رؤية أخرى لقائد البوليساريو الذي تسلم دكتوراه فخرية من المعهد المكسيكي للقادة المتميزين، بما ساعده على الدفاع عن رؤيته في الأراضي العازلة بأنها “مناطق محررة”.
وترى هذه القيادة أن مسلسل المفاوضات لم يبدأ في 2007، بل في 1979، من لحظة اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة على “القرار 3437” واعتراف منظمة الوحدة الإفريقية بـ “دولة” البوليساريو، مما مكن من وقف إطلاق النار وإنشاء “المينورسو”.
وحاليا، لدى البوليساريو اختبارا حساسا في حماية التجارة الدولية في الكركرات التزاما منها بمقترحها المضاد لمقترح المغرب الخاص بالحكم الذاتي.
ولدى غوتيريش، فرصة التعاون مع الاتحاد الإفريقي، المؤكد على تأمين وحماية المرور بين المخيمات وباقي الإقليم، إن تمكنت الجبهة من إدارة الكركرات والحفاظ على حرية التجارة الدولية والمغربية بالخصوص، وثانيا، في حال مشاركة الاتحاد الإفريقي إلى جانب الأمم المتحدة في العيون والمخيمات لإنجاح نظام مساعدة خاص لدعم ما سماه الاتحاد الإفريقي “أقدم شيوخ ضحايا اللجوء في إفريقيا” والموجودين في مخيمات تندوف.
وسيكون العمل على فتح مكتب مراقبة “جمهورية” البوليساريو في الأمم المتحدة، إحدى الشواغل التي تدفع إلى تعاون قوي ومسؤول بين الرباط وأنطونيو غوتيريش، فمن المهم، الحد من رفض الاستفتاء وأخيرا العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وفي كل الأحوال، انتهت “دبلوماسية الصمت” في الملف، فيما ترغب الرباط في الوصول إلى:
1 ـ تعزيز الوضع القائم أو “الستاتيكو” الذي اعتبره كريستوفر روس “خطأ”، لكن الحفاظ على الوضع المترتب عن انسحاب المغرب دونا عن قوات البوليساريو، قد يشكل تقديرا آخر.
2ـ قبول المغرب بإدماج الاتحاد الإفريقي في حل قضية الصحراء، قد يقر إرسال قوات إفريقية إلى “الكركرات” في تطور يضمن وجود قوات للمراقبة منسوبة إلى الجهتين، الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بما يمنع الحرب، وقد تشكل هذه الأوضاع ضغوطا جديدة على المملكة.
ويمول الاتحاد الإفريقي القوات الدولية في مالي بـ 50 مليون دولار، وتوسيع العمل الإفريقي إلى الأراضي العازلة في الصحراء، مقترح تعرفه صالونات الاتحاد في أديس أبابا.
وخوفا من الإجراءات الجديدة التي تزيد من الضغوط على طرفي النزاع، فإن معامل الحرب لا يزال قائما، لأن القوى الكبرى لا تهتم لاندلاع حرب بين الجبهة والمغرب، ويسير الكل نحو تغيير قواعد اللعبة بشكل سلمي من طرف كريستوفر روس وبدعم من الولايات المتحدة المراقبة للوضع، أو عن طريق الحرب.
غوتيريش، الرئيس الحالي للأمم المتحدة، والذي أتى به الغاني، كوفي عنان، لرئاسة المفوضية السامية للاجئين، مكافح شرس للفقر وللوضع الصعب للاجئين الصحراويين، وورقة “الحس الإنساني” لعبة جديدة تغطي عدوانية الحسابات الجديدة والاستراتيجية في المنطقة
بدأ أنطونيو غوتيريش العمل في السياسة سنة 1976، داعما لاستفتاء شعب الصحراء في وقت أعلن فيه اللاجئون في تندوف، دولة في المنفى، ويدافع الرسميون عن مشاركة الاتحاد الاشتراكي، العضو المغربي في “الأممية الاشتراكية”، لتواصل أكبر مع الأمين العام للأمم المتحدة، لكن هناك مؤشرات تؤكد على تقدير آخر:
1ـ أن غوتيريش اقترب من البوليساريو طيلة أيام الأمين العام، الإفريقي كوفي عنان، ودافع أيضا عن موقف بان كيمون إلى آخر ولايته الثانية.
2ـ أن وازعه الأخلاقي(1) متأثر ببراغماتية حادة(2) لتحقيق أهداف منسجمة مع هذا الوازع.
3ـ صاحب كتاب يفكر في مستقبل بلاده البرتغال، ويتمثل مستقبل العالم، مهندس استطعم التكتيك والمناورة والهدوء، وجاء إلى منصب الأمانة العامة للأمم المتحدة، لأن البرتغال ـ إلى جانب حلفائها ـ دفعت ثمنا لوجودها وسطا بين الغرب وروسيا، وأسس غوتيريش باسم بلاده و5 مستعمرات سابقة (أنغولا، الرأس الأخضر، الموزمبيق، غينيا بيساو وساوتومي) رابطة الدول المتحدثة بالبرتغالية (ليزفون) لدعم العالم المتعدد الأقطاب في إطار استراتيجية للدمقرطة والفعالية وإصلاح الأمم المتحدة(3).
ولا يمكن في هذه الحالة، سوى الثقة في أن “تحالف ترامب وبوتين”، يسحق مطالب غرب أوروبا من خلال تولية كتلة تمثل 200 مليون نسمة، عوض الدخول في تمثيل شرق أوروبا بعد الأزمة المعقدة في أوكرانيا.
ونجح غوتيريش في إصلاح المفوضية السامية للاجئين، بأن دفع ثلث موظفيها في جنيف إلى العمل على الأرض، للحد من آثار المجاعة والكوارث والنزوح.
ودعمت إسبانيا وفرنسا غوتيريش لسببين:
أ ـ تفعيل دور البرتغال في أمن جبل طارق في مواجهة بريطانيا.
ب ـ تحييد روسيا عن غرب المتوسط، وعن حسابات المملكة بعد إطلاق شراكة استراتيجية بين الرباط وموسكو، ويعد التقارب بين الرباط والأمين العام الحالي للأمم المتحدة، تصعيدا ضد الطرف الناطق بالإنجليزية في القارة السمراء الرافض لتوسيع نفوذ المغرب في إفريقيا.
ومن جهة ثانية، تحاول مدريد فرض حساباتها إلى جانب البرتغال باسم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في شمال المملكة، وحول سبتة ومليلية، وفي أمن جبل طارق، وأي خسارة للمغرب في شماله، ستنعكس على جنوبه، فيما يود الجميع الوصول إلى صفقة جديدة بين المغرب وإسبانيا وفرنسا والبرتغال تبرز ملامحها في قرار “الانسحاب من الكركرات” الذي جاء انتصارا لقمة “مالغا” بين الرئيس الفرنسي هولاند ورئيس الحكومة الإسبانية راخوي، وإن سلمت الرباط هذه الورقة للبرتغال في شخص غوتيريش.
وعلى الفور، جاء الرد من مدريد وباريس لدعم الخطوة كي لا تتصور الرباط أن تحريك العاصمة لشبونة في هذه الحسابات الإقليمية الجديدة، انتصار تكتيكي لها، ويعرف الجميع أن لا علاقات جدية مع غوتيريش دون علاقات متقدمة للمغرب مع الاتحاد الأوروبي، وهذه العقيدة قديمة(4) ولا تزال حية.
وتشجيع الدور الأوروبي في قضية الصحراء، جزء من “حركة غوتيريش” في الأمم المتحدة، لكنه لا يرغب، إلى الآن، في فرض أي تقدير جديد في وجه الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، وتبقى القناعات النهائية للأمين العام للأمم المتحدة ثابتة بشأن تقرير المصير في الصحراء، لذلك فسيناريو “تيمور الشرقية” في الصحراء “الغربية”، جزء من قناعة واستراتيجية غوتيريش، لاعبا بورقة اللاجئين لتغيير جغرافيا الصراع بين البوليساريو والمملكة، لأن ضمانات “الأمن وحقوق الإنسان” تسطر غايات غوتيريش، ولن يوازيها، سوى وصول يميني إلى قيادة الإليزيه.
غوتيريش “بطل تيمور الشرقية”، شرع في نفس السيناريو في إقليم الصحراء ـ الغربية ـ عبر مشروعه “غوم” لعودة اللاجئين الصحراويين إلى أراضيهم
المهندس الذي تخرج من المؤسسة العليا للتقنية ودرّس فيها، يتقن رسم الأبعاد قبل التكتيك، وهو الاشتراكي المتدين (من الروم الكاثوليك) يناضل بشراسة عن الحرية الدينية لكل شعب، وإن اتصل المغرب بالصحراويين بسبب الدين لقرون، إلا أن “النسخة الشنقيطية” من المالكية عند اللاجئين في تندوف، تختلف عن أي نسخة أخرى، هذه هي “رؤية غوتيريش”، الذي يعرف أن الأسبان طبعوا الكثير من مستعمراتهم السابقة، وكما قاد باسم لشبونة “الحل في تيمور الشرقية”، يعتقد جازما بعمل مدريد لحل مشكل الصحراء.
ويدفع الجيش الإسباني، رئيس الحكومة راخوي، إلى تحويل “بطل تيمور الشرقية” إلى “أسطورة الصحراء الغربية”، ويستحضر المراقبون كيف أبعد أنطونيو غوتيريش بطريقة مأساوية وزير المالية في حكومته عام 1999، أنطونيو سوسا فرانكو، ووضع كل المفاتيح في يد وزير الخارجية، جيمي غاما(5) بما فيها الدعم العسكري من أجل استقلال تيمور الشرقية.
اهتمام غوتيريش باللاجئين الصحراويين مسألة قديمة، وهو عضو مؤسس للمجلس البرتغالي للاجئين
اهتمام الأمين العام للأمم المتحدة بمسألة اللاجئين، مسألة “شخصية” بتأثير من أبيه الروحي، الفرنسيسكاني فيكتور مليسياش، وليست سياسية، ولا يسمح الأمين العام للأمم المتحدة لأي طرف بتسييس عودة اللاجئين الصحراويين إلى أراضيهم مع كل ضمانات اختيارهم الحر، فهي بتعبيره “مقاربة منسقة وإنسانية”.
يقول عنه بان كيمون “إنه ذكاء حي”(6) ودماثة دبلوماسية صنعت دولة في تيمور الشرقية ضد أندونيسيا والإسلام، وهو رابع أوروبي يصل إلى رئاسة الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الأوروبية تفصل بين الصحراء والمغرب، وقناعته قائمة على إصلاح النظام السياسي في بلاده(7) وفي باقي الدول، ومن الصعوبة في نظر خصوم المغرب، إصلاح النظام المغربي لقبول المعايير الدولية للحكم الذاتي للصحراويين أو إقليم الصحراء.
تقول “لوموند”: “إن غوتيريش فرنكفوني واشتراكي، وجاء من البرتغال ضحية الغرب والروس على حد سواء”(8).
وانتصر غوتيريش للفرنسيين منذ عوض نيوزلاندا على رئاسة المفوضية السامية للاجئين، لكن قبول الروس به جاء بعد 3 أسابيع من المفاوضات ليعوض مرشحا من شرق أوروبا.
وأتى، الوزير الأول للبرتغال من 1996 إلى 2002 ورئيس “الأممية الاشتراكية” في 1999 بعد أن فاز في جولة أولى، ليرأس المفوضية السامية للاجئين، منتصرا على كل من الفرنسي بيرنار كوشنير، والتونسي كمال مرجان، والمفوضة السابقة للاتحاد الأوروبي، الإيطالية إيما بونينو(9)، وأدرك غوتيريش أن الورقة الروسية حسمت كل ترشيحاته.
ويصنع الشخص توافقه دائما، من خلال تحالف المصالح الروسية والفرنسية، ويحافظ على مصالح بلاده ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المقدمة.
يقول تقرير رسمي، أن “غوتيريش خدم مصالح بلاده في كل المهام التي تولاها، وبقي عضوا في مجلس الرئاسة البرتغالية، مقترحا من الرئيس مرسيلو دسوسا في 2015، ولم يقدم استقالته إلا بعد أن أصبح سكرتيرا عاما للأمم المتحدة”.
غوتيريش لم يوسمه المغرب ضمن 17 وساما من 16 بلدا، رغم توصله بالاقتراح، وأجهضت أزمة “أكديم إزيك” نموذجه لعودة اللاجئين الصحراويين إلى بلادهم
جاء أنطونيو غوتيريش إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، بعد اقتراحه “القوي” وغير المسبوق في الأوساط السياسية بشأن محاكمة كل أفراد البعثات الأممية المتورطة في جرائم الاغتصاب والتحرش في دولة إفريقيا الوسطى، أمام محاكم دولية(10)، ذكر بلدانهم بالاسم، وكان مغاربة ضمن المتورطين.
ورغب الروس في هذا الإجراء، كما طالب نفس المسؤول الأممي، بالتحقيق في اتهام الهايتيين، بأن الأمم المتحدة هي التي أتت بـ “الكوليرا” إلى بلدهم، ومن مؤسسة في بوسطن لـ “العدالة والديمقراطية بدولة هايتي”، جاء تقرير يؤكد أن “غوتيريش طالب بفتح تحقيق في الموضوع بما رفع أسهمه”، كما قال أيضا بحماية اللاجئين الصحراويين من أي حرب محتملة، وأن يكون لدى مجلس الأمن الولاية على حركته بما يناسب حفظه للسلام.
واتخذ الأمين العام للأمم المتحدة الحالي الموقف الروسي مرجعا له في أزمة “الكركرات”، داعيا إلى الاحتكام إلى القانون الدولي في هذه القضية، وفي كل النقط الصغيرة والخطيرة في الأمن الدولي، قائلا إن “ترشيحه يطابق القانون، وليس الجنس أو النتائج والوضعيات الجغرافية”، حسب ما أوردته جريدة “الغارديان” البريطانية(11)، ووعد بأن يكون عام 2017، عام سلام(12)، وساهم المغرب في هذا التوجه الذي تقوده الأمانة العامة بقراره الأخير سحب قواته من بؤرة التوتر “الكركرات”.
وفي كل الأحوال، فإن غوتيريش قائد أو “ماستر الحوار” بتعبير “أوروبيان فويس”(13)، يؤمن كأي اشتراكي، باجتراح “الطريق الثالث”(14) لكنه طريق برتغالي يقول: “لا” للمؤسسات الأوروبية و”نعم” للأمم المتحدة، حسب “الفاينشال تايمز”(15).
ولا غرْو في هذه الحالة، من القول بوجود طريق روسي ـ أمريكي لحل قضية الصحراء انطلاقا من حل مشكلة لاجئيها، ويخدم هذا التوجه “سيناريو تيمور الشرقية” في الصحراء “الغربية”.
لقد كان قرار سحب القوات المغربية من “الكركرات” قرارا للملك، كما توثق الـ “بي. بي. سي” البريطانية(16)، وهو ما نبه الإعلاميين إلى أن ما حدث، جاء لدعم شخص غوتيريش، لكنه في الأساس، استجابة لرغبة أمريكية ـ روسية عبر عنها الجانبان في آخر اجتماع لمجلس الأمن، والجملة جاءت صريحة “لا يمكن المس بالطاقم الأممي وبعدها بالنطاق الأممي في الصحراء”.
وفسر المغرب فورا “النطاق الأممي في الصحراء” بأنه المناطق العازلة، كي لا تثير الأطراف الإفريقية “كل الإقليم المتنازع عليه”.
الحياد الشديد للقوى الكبرى في قضية الصحراء كاد أن يشعل حربا في المنطقة، وتحول الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، في تدخلين، إلى طلب إعمال القانون الدولي في النزاعات، وأرادت الرباط في هذه الفترة أن تبعد قضية الصحراء عن الأضواء، فانسحبت من الكركرات
لم يكن في صالح المغرب، أن يبني غوتيريش مجده على قضية الصحراء، بعد الأضواء المسلطة على هذه القضية في مجلس الأمن من خلال أزمة “الكركرات” قبل دخول المملكة إلى الاتحاد الإفريقي وبعده، ويحتاج المغرب إلى تجميد الوضع في الصحراء، وإبعاده عن الاهتمام الدولي والقاري لما حدث على الصعيد الداخلي، والربط الإعلامي بين قضية “الكركرات” ودخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والرغبة الدولية في إعادة ترتيب الأولويات في المنطقة، على إثر تجاوز المملكة لاتحاد المغرب العربي والانتماء إلى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، دون أن يكون الجار الموريتاني منتميا لها.
ويعرف غوتيريش أن قدرته كبيرة، ليس في إطفاء مشكل “الكركرات”، بل في السعي إلى تسوية تقنية وإنسانية لمشكل اللاجئين، لكن البوليساريو والمغرب لا يريدان في هذه المرحلة، دفع ثمن أي استحقاق لأجل التسوية.
ويدعم المجتمع الدولي حاليا، إعادة إطلاق مسلسل المفاوضات بدون شروط مسبقة، وتحت إشراف الرباعية: فرنسا، إسبانيا، روسيا والولايات المتحدة.
ويدعم الأمين العام للأمم المتحدة “التطبيق الفوري” لـ “خطة بيكر الثانية” والإعداد لها من خلال آلية قانونية لعودة اللاجئين، لأن تطبيق نفس الآليات المستخدمة في “تيمور الشرقية” هو ما ينتظر مضمون “الأرضية” التي رشحها كريستوفر روس، وقد عدل أجزاء منها لتغيير الإطار والتوجه إلى “الآلية القانونية لعودة اللاجئين”، وحماية حقوقهم إن استعجل الجانبان “الاستشارة” التي يريدها البوليساريو، وذلك بدعم كامل لولاية “المينورسو” على الإقليم، ونقل الصحراويين المقبولين في اللوائح إلى المناطق العازلة للتصويت، فيما يريد المغرب نقلهم إلى أراضيه لدمجهم، ولا يزال ملخص الخطة من 35 صفحة، تحت “الإحاطة والتقدير الأممي”.